‏ المئوية الأولى.. الحمارشة على أعتاب إنجاز تاريخي مع المنتخب الوطني

‏ المئوية الأولى.. الحمارشة على أعتاب إنجاز تاريخي مع المنتخب الوطني


‏عمان، 24 اكتوبر - في مكان ما من ملاعب المدارس ف جرش، كان فتى صغير يرتدي قميص فريق المدرسة ويحلم أن يمثل الأردن يوما ما، لم يكن يعرف أحمد الحمارشة أن ذلك الحلم البسيط سيقوده لأن يصبح أحد أكثر اللاعبين تمثيلا للمنتخب الوطني، وأن يقف اليوم على أعتاب خوض المباراة رقم 100، وربما يتحقق ذلك نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل أمام المنتخب السوري في افتتاح النافذة الأولى من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم – قطر 2027.


‏ويقول أحمد الحمارشة - ضيف الحلقة الثانية من حكاية سلوية - بابتسامة يملؤها الفخر: "أن أصل إلى المباراة رقم 100 بقميص المنتخب الوطني، هذا شرف وفخر واعتزاز. سواء لعبت مباراة واحدة أو ألفا، يبقى الشرف واحدا… بأن أمثل بلدي".


‏بالنسبة له، الرقم 100 ليس نهاية، بل امتداد لمسيرة من سبقوه، وامتداد لمن سيكملون الطريق بعده، وهو يدرك أن كل مباراة لعبها كانت حلقة في سلسلة طويلة من التضحية والانتماء، وأن هذه المحطة المئوية ليست سوى رمز لمسيرة مليئة بالعرق والإصرار.


‏وحين ينظر الحمارشة إلى الوراء، تتزاحم المشاعر في داخله، بقوله: "هي مشاعر مختلطة بين أهمية مباريات المنتخب، وبين حلم طفل كان يلعب مع فريق المدرسة واليوم يحقق حلمه بقرب الوصول إلى رقم 100 مباراة بقميص منتخب الوطن".


‏لم يكن الحمارشة يتخيل الوصول إلى هذا الرقم حين بدأ مسيرته لاعبا، فهدفه كان أبسط: أن يكون ضمن المنتخب، وأن يكون له دور معه، لافتا: "الحمد لله… قدرنا نوصل لهذا الرقم".


‏ويتذكر لحظة مفصلية غيرت مساره، حين شارك في الأسياد عام 2010 مع المنتخب الأول، وهناك شعر للمرة الأولى بأنه أصبح فعلاً أحد أعمدة المنتخب الوطني.

‏لم تكن الطريق سهلة. فكل إنجاز له ثمن، وكل محطة تمر بتحدياتها، حيث يقول الحمارشة عن أصعب لحظاته: "إصابتي في آخر نافذة من تصفيات كأس العالم قبل مواجهة نيوزيلندا والصين كانت الأصعب، عانيت من تمزق في الأربطة وإصابة في الركبة، في الأندية يكون الضغط أقل لأن الموسم طويل، لكن إصابات المنتخب دائما تؤلم أكثر".


‏ورغم كل ذلك، لم يفكر الحمارشة يوما بالاعتزال، مشيرا: "لا، خصوصاً مع المنتخب الوطني. طالما أنا بصحة وعافية، سأعطي المنتخب كل ما لدي. كرة السلة مهنتي وحياتي، وأنا حتى الآن قادر على العطاء".


‏أما عن الضغوط والانتقادات، فيبتسم بثقة: "في البداية كنت قليل الخبرة وانزعج من اي انتقاد، لكن الآن صارت الضغوط شيئا إيجابيا. أنا اعرف نفسي، مستعد وجاهز، وكل تحدٍ يشكل فرصة لإثبات الذات".


‏وحين سُئل عن الموقف الذي غير مسيرته، أجاب بتواضعٍ العارف بمسؤولياته: "ما في موقف واحد غيّر مسيرتي، لكن المسؤوليات اللي بتكون عليك كلاعب أو كشخص ممكن تغير طريقة نظرتك للحياة. بعض اللاعبين يتجهون للعمل ويعتبرون السلة هواية، بالنسبة إليّ كانت وما زالت حياة كاملة".


‏ولم يكن الحمارشة وحيدا في طريقه. فقد سانده أهله في جرش منذ الخطوات الأولى، ثم جاء الدعم من رموز اللعبة، مشيرا في هذا الصدد: "وسام الصوص كان دائما يدعمني كلاعب، وعندما أصبح مدربي كان يتعامل معي كأخ وصديق، وزيد عباس هو قوتي وقدوتي وحلمي من البداية، وهو أحد أسباب استمراري حتى الآن. وسام دغلس أيضا ملهم ومحفز ويمنحني الثقة دائما".‏‏


‏تلك النماذج علمت الحمارشة معنى القيادة والقدوة، وكيف يمكن للاعب أن يكون رمزا للأجيال الجديدة، بقوله: "تعلمت من دغلس والصوص وعباس كيف أكون قائداً، وكيف أتحدث مع اللاعبين، وكيف تكون أخلاق اللاعب داخل وخارج الملعب".


‏ويضيف: "أحاول أن أنقل لزملائي الصغار عبارات تحفيزية، مثل: خليك جاهز، ولا تحكي إني انظلمت، يمكن الحياة مش عادلة، بس فرصتك راح توخذها".


‏الإخلاص بالنسبة لأحمد ليس شعارا بل سلوكا، بقوله: "أشكر الجماهير كافة، حب الوطن فوق كل شيء، وعندما تكون كرة السلة مهنتك، يجب أن تكون مخلصا وأن تقدم كل شيء في الملعب حتى تكسب شرف المحاولة".


‏لكن الحمارشة لا يخفي الثمن الشخصي لهذه المسيرة الطويلة، لافتا: "حياتي الاجتماعية أصبحت شبه معدومة، موضوع الزواج كان صعبا، لكن مع الوقت أصبح هناك نضوجا واستطعت خلق التوازن المطلوب، كل شيء تكسبه بالحياة له ثمن، الإصابات والوقت، وحتى المسار المهني خارج الرياضة، لكنني حصلت على شهادة ماجستير وأحاول أن أكمل الجانب الأكاديمي، واعتبر التعليم مكسبا وليس خسارة".‏


و‏حين تسأله عن سرّ المنتخب الوطني، يجيب بكلمة تختصر كل شيء: "روح النشمي، نحن لا نحب أن نخسر، وهذه الروح التي تميزنا عن غيرنا، العلاقة بين اللاعبين اعتبرها جوا عائليا داخل وخارج الملعب، وأنا أعتبر هذا دوري كقائد. كل لاعب يجب أن يكون مسؤولا عن نفسه".‏


‏بعد المباراة رقم 100، ما الذي تبقى: "الهدف التالي هو المباراة رقم 101، ومتى طلبني المنتخب، لن أتردد في تلبية النداء".


‏وحين يُسأل عن المستقبل بعد الإعتزال، يترك الباب مفتوحا: "كثير ناس نصحوني بأن أكون مدربا أو إداريا، لكن تركيزي حاليا بأن أكون لاعبا فقط".


‏أما عن إرثه الذي يريد أن يتركه، فيقول ببساطة تلخص مسيرته كلها: "أتمنى أن يتذكرني الناس كلاعب عنده أخلاق، لم يبخل بنقطة عرق، وكل نادي لعبت معه يكون فخور إني كنت جزءا من رسالته. كونوا متأكدين أني أقدم كل شيء بإخلاص".


‏هكذا يقف أحمد الحمارشة على عتبة تاريخه الشخصي، بين الماضي والحاضر، بين الحلم والواقع.. ‏100 مباراة ليست مجرد رقم، بل قصة وطنية خالدة تروي كيف يتحول حلم طفل من جرش إلى مسيرة من المجد والتضحية والولاء.
‏وفي كل مرة يدخل فيها إلى أرض الملعب، يردد في قلبه ذات الجملة التي بدأ بها الرحلة: "أنا ألعب للأردن… وسأظل ألعب للأردن، ما دام هناك نفس".